الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فقه اللغة وسر العربية ***
- العرب تبتدئ بذكر الشيء والمقدَّم غيره، كما قال عزَّ وجلَّ: {يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين} وكما قال تعالى: {فمنكم كافر ومنكم مؤمن} وكما قال عزّ وجلَّ: {يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور} وكما قال تعالى: {وهو الذي خلق الليل والنهار} وكما قال حسان بن ثابت في ذكر بني هاشم: بَهالِيل منهم جعفر وابن أمّه *** عليٌ ومنهم أحمد المُتَخَيَّرُ. وكما قال الصَّلتان العبديّ: فَمِلَّتنا أننا مسلمون *** على دين صدِّيقنا والنّبيْ.
- العرب تقول: أكرَمني وأكرَمته زيد وتقديره: أكرمني زيد وأكرَمته، كما قال تعالى حكاية عن ذي القرنين: {آتوني أفرِغ عليه قِطرا} تقديره: آتوني قِطراً أفرغ عليه، وكما قال حلَّ جلاله: {الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً قيِّماً} وتقديره أنزل على عبده الكتاب قيِّما، ولم يجعل له عوجا، وكما قال امرؤ القيس: ولو أن ما أسعى لأدنى معيشةٍ *** كفاني ولم أطلب قليلٌ من المال. وتقديره: كفاني قليل من المال، ولم أطلبه. وكما قال طَرَفة: وكرَّى إذا نادى المضاف مجنَّباً *** كذئب الغضى نَبَّهْتَهُ المُتَوَرَّدِ. وتقديره: كذئب الغضى المتورِّد نبَّهته. وكما قال ذو الرُّمَّة: كأن أصواتَ من إيغالهنَّ بنا *** أواخر المَيسِ إنقاضُ الفَراريجِ. وتقديره: كأن أصوات أواخر الميس من إيغالهن بنا إنقاض الفراريج. وكما قال أبو الطَّيب المتنبي: حملت إليه من لساني حديقةً *** سقاها الحِجا سَقيَ الرِّياضِ السَّحائبِ. وتقديره: سَقي السّحائب الرِّياض.
- هي من سنن العرب، تقول: هذا عامٌ يُغَاثُ الناس وهذا يومُ يَدخُل الأمير، وفي القرآن: {ربِّ فأَنظِرْني إلى يَومِ يُبعَثون}. وقال عزَّ ذكره: {هذا يَومُ لا يَنطِقون}. وفي الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّ المريض لَيَخْرُجُ من مَرَضهِ كَيَمِ وَلَدَتهُ أمُّهُ).
- العرب تقدم عليها توسعا واقتدارا واختصارا، ثقة بفهم المُخَاطَب، كما قال عزّض ذكره: {كُلُّ من عليها فانٍ} أي من على الأرض وكما قال: {حتى توارت بالحجاب} يعني الشمس، وكما قال عزَّ وجل: {كلّا إذا بَلَغَتِ التَّراقيَ} يعني الروح، فكنى عن الأرض والشمس والروح، من غير أن أجري ذكرها. وقال حاتم الطائي: أماويَّ ما يُغْني الثَّراءُ عن الفَتى *** إذا حشرَجَتْ يوماً وضاقَ بها الصَّدرُ. يعني: إذا حشرجت النفس، وقال دِعبِل: إن كان إبراهيم مضْطَلِعاً بها *** فَلَتَصْلُحَنْ من بَعده لِمُخارِقِ. يعني: الخلافة، ولم يسمها فيما قبل. وقال عبد الله بن المعتز: وَنَدمان دعوتُ فَهَبَّ نَحوي *** وسلسَلها كما انخَرَطَ العَقيقُ. يعني: وسلسل الخمر، ولم يجر ذكرها.
- العرب تفعل ذلك، فتذكر الشيء على العموم، ثم تخصّ منه الأفضل فالأفضل، فتقول: جاء القوم والرئيس والقاضي. وفي القرآن: {حافِظوا على الصلوات والصلاة الوسطى}. وقال تعالى: {فيهما فاكِهَةٌ ونَخلٌ ورُمَّان}. وإنما أفرد الله الصلاة الوسطى من الصلاة وهي داخلة في جملتها، وأفرد التمر والرمان من جملة الفاكهة، وهما منها للاختصاص والتَّفضيل، كما أفرد جبريل وميكائيل من الملائكة فقال: {من كان عدواً للهِ وملائِكتهِ ورُسُله وجبريلَ وميكالَ}.
- قال الله تعالى: {ولَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً منَ المَثاني والقرآنَ العَظيمَ}، فخصّ السبع، ثم أتى بالقرآن العام بعد ذكره إياه.
- العرب تفعل ذلك، قال الله تعالى: {واسأَل القَرْيَةَ التي كنَّا فيها}، أي أهلها، وكما قال جلَّ جلاله: {وإلى مَديَنَ أخاهم شُعيباً} أي أهل مديَن، وكما قال حُمَيدُ بن ثَور: قَصائِدُ تَستَحْلي الرُواةُ نَشيدَها *** ويَلهو بها من لاعِبِ الحَيِّ سامِرُ. يَعَضُّ عليها الشيخُ إبهامَ كَفِّهِ *** وتُجزى بها أحياؤُكم والمقابرُ. أي أهل المقابر. والعرب تقول: أكلتُ قِدراً طيبة. أي أكلت ما فيها. وكذلك قول الخاصّة: شَرِبت كأساً.
- هو من سنن العرب، تقول العرب: إذا لم تَستَحِ فافعل ما شِئتَ. وفي القرآن: {افعَلوا ما شِئتُم}، وقال جلّ وعلا: {ومن شاء فَلِيَكفُر}.
- العرب تفعل ذلك، فتقول: هذا حُجْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ. والخرب نعت الحُجر لا نعت الضبِّ ولكن الجوار عمل عليه، كما قال امرؤ القيس: كأن ثبيراً في عَرانين وَبلِهِ *** كبيرُ أناسٍ في بِجاد مُزَمَّلِ. فالمُزَمَّل: نعت الشيخ لا نعت البِجاد، وحقه الرفع ولكن خفضه للجوار، وكما قال آخر: يا ليت شَيْخَكِ قد غَدا *** مُتَقلِّدا سَيفا ورُمحا. والرُمح لا يُتَقَلَّد، وإنما قال ذلك لمجاورته السيف. وفي القرآن: {فأَجْمِعوا أمْرَكُم وشُرَكاءَكُم} لا يقال: أجْمَعت الشُركاء وإنما يقال: جَمَعت شركائي، وأجمَعتُ أمري وإنما قال ذلك للمجاورة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ارجِعْنَ مأزورات غيرَ مَأجورات» وأصلها مَوزورات من الوزر ولكن أجراها مجرى المَأجورات للمجاورة بينهما، وكقوله: بالغدايا والعشايا، ولا يقال: الغدايا إذا أفردت عن العشايا لأنها الغدوات، والعامة تقول: جاء البرد والأكسية، والأكسية لا تجيء ولكن للجوار حقٌ في الكلام.
- العرب تسمي الشيء باسم غيره، إذا كان مجاورا له أو كان منه بسبب، كتسميتهم المطر بالسماء لأنه منها ينزل، وفي القرآن: {يُرْسِلِ السَّماءَ عليكُم مِدْرَارا}، أي المطر وكما قال جلَّ اسمه: {إني أراني أعصِرُ خَمرا} أي عنبا، ولا خفاء بمناسبتها، وكما يقال: عفيف الإزار، أي عفيف الفرج، في أمثال له كثيرة. ومن سنن العرب وصف الشيء بما يقع فيه أو يكون منه كما قال تعالى: {في يومٍ عاصِفٍ} أي يوم عاصف الريح، وكما تقول: ليل نائم، أي نام فيه وليل ساهر، أي يُسهر فيه.
- ذلك من سنن العرب، كما تقول: أكلوني البراغيث، وكما قال عزّ وجلّ: {يا أيُها النَّملُ ادخُلوا مَساكِنَكُمْ لا يُحَطِمَنَّكُمْ سُلَيمان وجُنودُهُ}، وكما قال سبحانه وتعالى: {والله خَلَقَ كلَّ دابَّةٍ من ماء فَمِنهُم من يَمْشي على بَطنِهِ ومنهم من يَمشي على رِجلين ومنهم من يَمشي على أرْبَع}، ويقال: إنه قال ذلك تغليبا لمن يمشي على رجلين وهم بنو آدم. ومن سنن العرب تغليب ما يعقل كما يُغَلَّب المذكّر على المؤنَّث إذا اجتمعا.
- العرب تفعل ذلك كما قال النابغة: يا دارَ مَيَّة بالعلياذِ فالسَّنّدِ *** أقْوَتْ وطال عليها سالِفُ الأمَدِ. فقال: يا دار ميَّة، ثم قال: أقْوَتْ، وكما قال الله عزّ وجلّ: {حتى إذا كنتم في الفُلكِ وجَرَينَ بهم بِريحٍ طَيّبَةٍ}، فقال: كنتم في الفلك، ثم قال: بهم، وكما قال: {الحَمدُ للهِ رَبِّ العالمينَ الرَّحمنِ الرَّحيمِ مالكِ يَومِ الدِّينِ إياكَ نَعبُدُ وإياكَ نَستَعينُ}، فرجع من الكناية إلى المخاطبة، كما رجع في الآية المُتقدمة من المخاطبة.
- من سنن العرب أن تقول: رأيت عمراً وزيداً وسلّمت عليه، أي عليهما. قال الله عزّ وجلّ: {والذين يُكْنِزونَ الذَّهَبَ والفِضَةَ ولا يُنْفِقونَها في سبيل الله}، وتقدير الكلام: ولا ينفقونهما في سبيل الله، وقال تعالى: {وإذا رَأَوا تِجارَةً أو لهواً انْفَضُوا إليها}، وتقديره: انفضوا إليهما. وقال جلّ جلاله: {والله ورسوله أحَقُّ أن يُرضوهُ}، والمراد: أن يرضوهما.
- من سنن العرب إذا ذكَرَتِ اثنين أن تُجريهما مجرى الجمع، كما تقول عند ذكر العُمَرَين والحَسَنين: كَرَّمَ الله وجوههما، وكما قال عزّ ذكره: {إن تتوبا إلى الله فقد صَغَتْ قُلوبَكُما}، ولم يقل: قلباكما، وكما قال عزّ وجلّ: {والسَّارقُ والسَّارِقَةُ فاقْطَعوا أيْدِيَهُما}، ولم يقل يديهما.
- رُبما تفعل العرب ذلك، لأنه الأصل فتقول: جاءوني بنو فلان، وأكلوني البراغيث، وقال الشاعر: رأَينَ الغَواني الشَّيبَ لاحَ بِعارِضي *** فَأعرَضنَ عَنِّي بالخدود النَّواضِرِ. وقال آخر: نُتِجَ الرَّبيع مَحاسِناً *** ألقَحْنَها غُرُّ السَّحائِبْ. وفي القرآن: {وأسَرُّوا النَّجوى الّذين ظَلَموا}، وقال جلّ ذكره: {ثمّ عَموا وصَمُّوا كَثيرٌ منهم}.
- هي من سنن العرب إذ تقول: قَرَرْنا به عيناً، أي أعيننا. وفي القرآن: {فإن طِبْنَ لكُم عن شيءٍ منهُ نَفْساً}، وقال جلّ ذكره: {ثمَّ يُخْرِجُكُم طِفْلا} أي أطفالا، وقال تعالى: {وكم من مَلَكٍ في السَّمواتِ لا تُغني شَفاعَتُهم شيئاً}، وتقديره: وكم من ملائكة في السموات، وقال عزّ من قائل: {فَإنَّهُم عدوٌ لي إلا رَبَّ العالَمين}. وقال: {هؤلاء ضَيفي}، ولم يقل: أعدائي ولا أضيافي. وقال جلّ جلاله: {لا نُفَرِّقُ بينَ أحَدٍ منهم}، والتفريق لا يكون إلا بين اثنين، والتقدير: لا نُفَرِّق بينهم، وقال: {يا أيُها النَّبيُّ إذا طَلَّقْتُمُ النِّساء}. وقال: {وإنْ كُنْتُم جُنُباً فاطَّهَروا}. وقال: {والمَلائكَةُ بَعْدَ ذلك ظَهِير}. ومن هذا الباب سنة العرب أن يقولوا للرجل العظيم والملك الكبير: انظروا من أمري، ولأنّ السادة والملوك يقولون: نحن فعلنا وإنّا أمَرنا، فعلى قضيَّهذا الإبتداء يخاطِبون في الجواب، كما قال تعالى عمّن حضَرَه الموت: {رَبِّ ارْجِعون}.
- من سنن العرب الإتيان بذلك، كما قال تعالى: {ما كان للمُشْرِكينَ أنْ يَعمُروا مَساجِدَ اللهِ}، وإنما أراد المسجد الحرام، وقال عزّ وجلّ: {وإذ قَتَلْتُمْ نَفْساً فادَّارَأْتُمْ فيها}، وكان القاتل واحدا.
- تقول العرب: افعلا كذا، والمخاطب واحد، كما قال الله عزّ وجلّ: {ألْقِيا في جَهَنَّمَ كلَّ كَفارٍ عنيد} وهو خطاب لمالك خازن النار. وكما قال الأعشى: وَصَلِّ عَلَى حِينِ العَشِيَّاتِ والضُّحى *** ولا تَعْبُدِ الشَّيطانَ واللهَ فاعْبُدا. ويقال: إنه أراد والله فاعبُدَنّ، فقلب النون الخفيفة ألفا. وكذلك في قوله عزّ وجلّ: {ألقيا في جَهَنَّمَ}.
- قال الله تعالى: {أتى أمرُ اللهِ}: أي يأتي. وقال جل ذكره: {فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّى}، أي لم يصدّق ولم يصلّ. وقال عزّ مِن قائل في ذكر الماضي بلفظ المستقبل: {فَلِمَ تَقتُلون أنْبياءَ اللهِ من قَبلُ} أي لِمَ قَتَلتُم؟ وقال تعالى: {واتَّبَعوا ما تَتْلوا الشَّياطينُ}، أي ما تلت. وقد تأتي كان بلفظ الماضي ومعنى المستقبل، كما قال الشاعر: فَأدْرَكْتُ مَنْ كانَ قَبلي ولَم أدَع *** لِمن كان بَعدي في القَصائد مَصْنَعا. أي لمن يكون بعدي. وفي القرآن: {وكان اللهُ غَفوراً رَحيماً} أي كان ويكون وهو كائن الآن جلّ ثناؤه.
- تقول العرب: سرٌّ كاتِم، أي مكتوم. ومكان عامرٌ أي معمور. وفي القرآن: {لا عاصِمَ اليوم مِنْ أمرِ الله} أي لا مَعصوم. وقال تعالى: {خُلِقَ من ماءٍ دافِقٍ}، أي مدفوق. وقال: {عيشِةٍ راضيَة}، أي مَرضيَّة. وقال الله سبحانه: {حَرَما آمِناً} أي مأمونا. وقال جرير: إنَّ البَليَّة مَنْ تَمَلُّ كلامهُ *** فانقَع فُؤادكَ مِنْ حَديثِ الوامِقِ.
- كما قال تعالى: {إنَّهُ كان وَعْدُهُ مأتِيّا} أي آتيا، وكما قال جلَّ جلاله: {حجابا مستورا} أي ساتراً.
- قال الشّعبي، في كلام له في مجلس عبد الملك بن مروان: رجلان جاءوني، فقال عبد الملك: لَحَنت يا شعبيّ، قال: يا أمير المؤمنين، لم ألْحَن، مع قول الله عزّ وجلّ: {هذان خَصمان اخْتَصَمُوا في ربهم}. فقال عبد الملك: لله درُكَ يا فقيهَ العراقين، قد شفيت وكفيت.
- تقول العرب: رجل عَدْل: أي عادل، ورِضاً: أي مَرْضِي، وبنو فلان لنا سَلْم: أي مسالمون، وحَرْب: أي محاربون. وفي القرآن: {ولكنَّ البِرَّ مَنْ آمَنَ باللهِ}، وتقديره: ولكن البِرَّ بِرُّ من آمنَ بالله، فأضمر ذكر البر وحذفه.
- هو من سنن العرب، قال تعالى: {وقال نِسْوَةٌ في المدينة}، وقال: {قالت الأعرابُ آمَنَّا}.
- من سنن العرب ترك حكم ظاهر اللفظ، وحمله على معناه، كما يقولون: ثلاثةُ أنفس، والنفس مؤنثة، وإنما حملوه على معنى الإنسان أو معنى الشّخص. قال الشاعر: ما عندنا إلا ثلاثة أنفسِ *** مِثلُ النُّجومِ تلألأتُ في الحِندِسِ. وقال عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة: فكان مِجَنِّي دون ما كنتُ أتَّقي *** ثلاثُ شُخوصٍ كاعِبانِ وَمُعْصِرُ. فحمل ذلك على أنهن نساء. وقال الأعشى: لِقومٍ وكانوا هُمُ المُنْفِدِينَ *** شَرَبَهُمُ قَبْلَ تَنْفادِها. فأنَّث الشراب لما كان الخمر المعني، وهي مؤنثة، كما ذكر الكفّ وهي مؤنثة في قوله: أرى رجلا منهم أسيفاً كأنَّما *** يَضُمُّ إلى كَشْحيه كفَّاً مُخَضَّبا. فحمل الكلام على العضو وهو مذكر. وكما قال الآخر: يا أيها الرَّاكب المُزجي مَطِّيته *** سائلْبني أسدٍ ما هذهِ الصَّوتُ. أي ما هذه الجَلَبة. وقال آخر: مِنَ النَّاسِ إنسانان دَيْنِي عَليهما *** مَليئان لو شَاءَا لقد قَضَياني. خليلَيَّ أمّا أمُّ عَمروٍ فَواحِدٌ *** وأمَّا عنِ الثاني فلا تَسلاني. فحمل المعنى على الإنسان أو على السخص. وفي القرآن: {وأعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالساعة سَعيراً}، والسَّعير مذكر، ثمَّ قال: {إذا رَأتهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعيدٍ}، فحمله على النار فأنثه، وقال عزَّ اسمه: {فأحْيَينا بهِ بَلْدَةً ميتاً} ولم يقل ميتة لأنه حمله على المكان. وقال جلّ ثناؤه: {السَّماء مُنْفَطِرٌ بِه} فذكر السّماء وهي مؤنثة لأنه حمل الكلام على السقف وكل ما علاك وأظلك فهو سماء، والله أعلم.
- العرب تزيد وتحذف حفظا للتوازن وإيثاراً له، أما الزيادة فكما قال تعالى: {وتَظُنُّونَ باللهِ الظُّنونا}، وكما قال: {فأَضَلُّونا السَّبيلا}. وأمَّا الحذف فكما قال جلَّ اسمه: {والليل إذا يَسرِ} وقال: {الكبيرُ المُتعالِ}، وقال: {يومَ التَّنادِ} و{يومَ التَّلاقِ}. وكما قال لبيد: إنَّ تَقوى رَبِّنا خيرُ نَفَلْ *** وبإذنِ اللهِ رَبيْ وَعَجَلْ. أي وعجلي، وكما قال الأعشى: ومن شانئ كاسِفٍ وَجهُهُ *** إذا ما انتسَبتُ لهُ أنْكَرَنْ. أي أنكرني.
- العرب تقول: ما فعلتما يا فلان، وفي القرآن: {فمن رَبُّكُمَا يا مُوسَى}. وفيه: {فلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الجَنَّةِ فَتَشْقى}، خاطب آدم وحواء، ثم نصَّ في إتمام الخطاب على آدم وأغفل حواء.
- هي من سنن العرب، إذ تقول: صلاة الأولى، ومسجد الجامع، وكتاب الكامل، وحمَّاد عَجْرَدٍ، ويوم الجمعة، وفي القرآن: {ولَدارُ الآخِرَةِ خَيرٌ}، وكما قال عزَّ ذِكره في مكان آخر: {قُلْ إنْ كانت لكمُ الدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خالِصَةً}، وقال تعالى: {إنَّ هذا لَهوَ حَقُّ اليَقينِ}. فأما إضافة الشيء إلى جنسه فكقولهم: خاتم فضة، وثوب حرير، وخبز شعير.
- العرب تفعل ذلك، فتقول للرجل تستجهله: يا عاقل، وللمرأة تستقبحها: يا قمر. وفي القرآن: {ذُقْ إنَّكَ أنتَ العزيزُ الكَريمُ}. وقال عزَّ ذكره: {إنَّكَ لأنتَ الحَليمُ الرَّشيدُ}.
- ذلك من سنن العرب كقول الشاعر: وَجَدِّكَ لَوْ شَيءٌ أتانا رَسولُهُ *** سِواكَ ولكن لم نَجِد لَكَ مَدْفَعا. والمعنى: لو أتانا رسول سِواك لدفعناه. وفي القرآن حكاية لوط، قال: {لو أنَّ لي بِكُم قُوَّةً أو آوي إلى رُكنٍ شَديدٍ}. وفي ضمنه: لكنتُ أكُفُّ أذاكُم عَنِّي. ومثله: {ولو أنَّ قُرآنا سُيِّرَت بِهِ الجِبالُ أو قُطِّعَت بِهِ الأرضُ أو كُلِّمَ بِهِ الموتى بَل للهِ الأمْرُ جَميعاً}. والخبر عنه مُضْمَر كأنه قال: لكان هذا القرآن.
- وقد نطق القرآن باللغتين: من ذلك السَّبيل، قال الله تعالى: {وإنْ يَرَوا سبيلَ الرُّشدِ لا يَتَّخِذوه سبيلاً} وقال جلّ ذكره: {هذه سبيلي أدعوا إلى اللهِ على بَصيرةٍ}. ومن ذلك الطاغوت، قال تعالى في تذكيره: {يريدون أن يتحاكَمُوا إلى الطَّاغوتِ وَقَد أمِروا أن يَكْفروا بِه}. وفي تأنيثها: {والذين اجتَنَبوا الطَّاغوتَ أن يَعبُدوها}.
- من ذلك الفُلك، قال الله تعالى: {في الفُلكِ المَشحونِ} فلما جمعه قال: {والفُلكِ التي تَجري في البَحرِ}. ومن ذلك قولهم: رَجُل جُنُبٌ ورِجال جُنُبٌ، وفي القرآن: {وإن كنتم جُنُبا فاطَّهَروا}. ومن ذلك العدو. قال تعالى: {فإنهُمْ عَدُوٌ لي إلا رَبَّ العالمين} وقال: {وإن كانَ مِن قومٍ عَدوٍ لَكُم وهوَ مُؤمِنٌ}. ومن ذلك الضيف: قال الله عزّ وجلّ: {هؤلاء ضَيْفِي فَلا تَفْضَحونِ}.
- العرب تقول: أعراب وأعاريب، وأَعطِية وأَعطِيات، وأَسقية وأسقيات، وطُرُق وطُرُقات، وجمال وجمالات، وأَسوِرة وأساور، قال الله عزّ وجلّ: {إنها ترمي بِشَرَرٍ كَالقَصْرِ كَأنَّهُ جِمالاتٌ صُفْرٌ ويلٌ يومئذٍ للمُكَذِّبين} وقال عزّ وجلّ: {يُحَلَّونَ فيها مِنْ أساوِرَ مِن ذَهّبٍ}. وليس كل جمع يجمع كما لا يجمع كل مصدر.
- قال الله عزّ وجلّ: {يا أيها الذين آمنوا اتَّقوا الله}. وقال: {وأقيموا الصلاة وآتُوا الزَّكاة} فعمَّ بهذا الخطاب الرجال والنساء وغلَّب الرجال، وتغليبهم من سنن العرب. وكان ثعلب يقول العرب تقول: امرُؤٌ وامرأانِ وقوم، وامرأةٌ وامرأتان ونِسوة، لا يقال للنساء قوم، وإنما سمِّي الرجال دون النساء قوماً لأنهم يقومون في الأمور، كما قال عزَّ ذكره: {الرِّجال قوَّامونَ على النساءِ} يقال: قائم وقوم، كما يقال زائر وَزَور، وصائم وصوم، ومما يدل على أنَّ القوم رجال دون النساء قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا يَسخَر قَومٌ مِن قَومٍ عَسَى أن يَكونوا خَيراً مِنْهُم ولا نِساءٌ مَن نِساءٍ عَسَى أن يَكُنَّ خَيراً مِنْهُنَّ}. وقول زهير: وما أدري وسَوف إخالُ أدري *** أقومٌ آلُ حِصْنٍ أم نِساءُ.
- العرب تفعله، كما قال الأسود بن يَعفُر: إنَّ المنايا والحُتوفَ كِليهِما *** في كلِّ يوم ترقُبانِ سَوادي. وقال آخر: ألم يُحزِنكِ أن حِبالَ قَيس *** وتَغلِبَ قَد تَبايَنَتا انقِطاعا. وقد جاء مثله في القرآن قال الله عزَّ وجلّ: {أَوَلَم يرَ الذينَ كَفَروا أنَّ السَّموات والأرضَ كانتا رَتْقاً فَفَتَقْناهما}.
- العرب تفعل ذلك، كما قال الله عزَّ وجلَّ في صفة أهل النار: {ثمَّ لا يموت فيها ولا يَحْيا}. فنفى عنه الموت لأنه ليس بموت صريح، ونفى عنه الحياة لأنها ليست بحياة طيبة ولا نافعة، وهذا كثير في كلام العرب. قال أبو النَّجم: يُلقينَ بالخَبار والأجارِعِ *** كلَّ جَهيضٍ ليِّنِ الأكارِعِ. ليسَ بِمَحْفُوظٍ ولا بِضائِعِ *** يعني أنه ليس بمحفوظ لأنه ألقِيَ في صَحراء ولا بضائع لأنه موجود في ذلك المكان. ومن ذلك قول الله عزّ وجلّ: {وتَرى النَّاس سُكارى وما هُم بِسُكارى} أي ماهم بسكارى من شُرب ولكن سكارى من فزع ووله.
- تقول العرب: ليس بحلو ولا حامض، يريدون أنه جمع ذا وذا، كما قال الشاعر: أبو فَضَالة لا رسمٌ ولا طَللُ *** مِثْلُ النَّعامةِ لا طَيرٌ ولا جَمَلُ. وقال آخر: مَسيخٌ مَليخٌ كلَحْمِ الحُوارِ *** فلا أنت حُلوٌ ولا أنت مُرُّ. وفي القرآن: {لا شَرْقِّيةٍ ولا غَربيَّةٍ} يعني أنَّ الزيتونة شرقيَّة وغربيَّة. وفي أمثال العامّة: (فلان كالخنثى، لا ذكر ولا أنثى): أي يجمع صفات الذَّكران والإناث معا.
- ألف التعدية، وربما تكون للشيء نفسه ويكون الفاعل به ذلك بلا ألف، كقولهم: أَقْشَعَ الغَيمُ، وقشَعَتْهُ الريح، وأنزفت البئر: ذهب ماؤها ونزفناها نحن. وأنسل ريش الطائر، ونَسَلتُهُ أنا. وأكبَّ فلان على وجهه وكببته أنا. وفي القرآن: {أفمن يمشي مُكِبّاً على وجْهِهِ أهدى}. وقال عزَّ اسمه: {فَكُبَّتْ وُجوهُهُمْ في النار}.
- من سنن العرب: أن تحذف الألف من (ما) إذا استَفْهَمَتْ بها فتقول: بِمَ؟ ولِمَ؟ ومِمَّ؟ وعلامَ؟ وفيمَ؟ قال تعالى: {فيمَ أنت مِن ذِكراها} وكما قال عزّ وجلّ: {عمَّ يتساءلون عنِ النَّبأ العَظيم}: أي عن ما؟ فأدغم النون في الميم. ومن الحذف للاختصار قول الله تعالى: {يعلم السِّرَ وأخْفى}، أي السر وأخفى منه، فحذف وقوله: {وما أمرُنا إلا واحِدَةٌ}، أي أمرة واحدة، أو مرَّة واحدة. ومن الحذف قوله: لم أُبَلْ. ولم أُبالِ. وقولهم: لم أكُ ولم أكُنْ. وفي كتاب الله عزّ وجلّ: {ولم تَكُ شيئا}. ومن ذلك ما تقدَّم ذكره من قوله جل جلاله: {كلا إذا بلَغَتِ التَراقي}، وقوله: {حتى تَوارَت بالحِجاب}، وقوله: {كلُّ منْ عَليها فانٍ} فحذف النَّفس والشمس والأرض إيجازا واقتصارا. ومن ذلك حذف حرف النداء، كقولهم: زيدُ تعال. وعمرو اذهب، أي يا زيد ويا عمرو. وفي القرآن: {يوسف أعْرِضْ عن هذا} أي يا يوسف. ومن ذلك حذف أواخر الأسماء المفردة المعرفة في النداء دون غيره، كقولهم: يا حارُِ يا مالُِ ويا صاحُِ، أي يا حارث ويا مالك ويا صاحبي، ويقال لهذا الحذف: الترخيم وفي بعض القراءات الشاذَّة: "ونادوا يا مالُ". وقال امرؤ القيس: أفاطِمُ مَهلاً بَعْضَ هذا التَّدللِ *** وقال عمرو بن العاص: مُعاويَ لا أعطيكَ ديني ولمْ أنلْ *** بهِ مِنكَ دُنيا فانظُرَنْ كيفَ تَصنَعُ. ومن ذلك قولهم: باللهِ، أي أحلِفُ باللهِ فحذَفوا (أحلف) للعلم به، والاستغناء عن ذِكره، وقولهم: باسم الله، أي أبتَدِئُ باسم الله. ومن ذلك حذف الألف منه لكثرة الاستعمال، ومن ذلك ما تقدَّمَ ذكره في حفظ التوازن، كقوله عزّ ذِكره: {والليلِ إذا يَسرِ} و{الكبيرُ المُتعالِ} و{يومَ التَّلاقِ}. ومن ذلك حذف التنوين من قولك: محمدُ بنُ جَعفر، وزيد بنُ عمرو. وحذف نون التثنية عند النفي كقولك: لا غلامَىْ لك، ولا يدىْ لزيد، وقميص لا كمَّىْ له. ومن ذلك حذف نون الجمع عند الإضافة، في قولك: هؤلاء ساكنوا مسكة، ومسلمو القوم. ومن الحذف قوله عزَّ ذكره: {وكذلك مكنَّا لِيوسُفَ في الأرضِ ولِنُعَلِّمَهُ من تأويلِ الأحاديثِ} وتقديره: ولِنُعَلِّمه فَعَلْنا ذلك. ومن الحذف قولهم: صلّيت الظُهرَ، أي صلاة الظهر، وكذلك سلئر الصلوات الأربع.
- من سنن العرب الإضمار، إيثارا للتخفيف وثقة بفهم المُخاطب، فمن ذلك إضمار (أنَّ) وحذفها من مكانها، كما قال تعالى: {ومن آياتهِ يُريكُمُ البَرْقَ خوفاً وطَمَعاً}: أي أن يريكم البرق، وقال طَرَفة: ألا أيُّهذا الزجري أحضُرَ الوَغى *** وأن أشْهَدَ اللذاتِ هل أنتَ مُخلِدي. فأضمرَ (أنَّ) أولا ثمَّ أظهرها ثانيا في بيت واحد، وتقديره: ألا أيهذا الزاجري أن أحضُرَ الوغى. وفي ذلك يقول بعض أدباء الشعراء: تَفَكَّرت في النَّحوِ حتى مَلِلْتْ *** وأَتْعَبْتُ نَفْسي لَهُ والبَدَنْ. فَكنت بِظاهِرِهِ عالماً *** وكنت بباطنه ذا فِطَنْ. خلا أنَّ باباً عليهِ العَفا *** ءُ في النَّحوِ يا ليتهُ لمْ يَكُنْ. إذا قُلتُ لِمْ قيلَ لي هكذا *** على النَّصبِ قيلَ بإضمارِ أنْ. ومن ذلك إضمار (مَنْ) كقوله عزَّ وجلّ: {وما مِنَّا إلا لَهُ مَقامٌ مَعلوم} أي إلا من له. ومن ذلك إضمار (مِنْ) كما قال تعالى: {واختار موسى قَومَهُ سَبعينَ رَجُلا لِميقاتِنا} أي من قومه. ومن ذلك إضمار (إلى) كما قال جلَّ جلاله: {سَنُعيدُها سيرَتها الأولى} أي إلى سيرتها الأولى. ومن ذلك إضمار الفعل، كما قال الله عزَّ وجلّ: {فقلنا اضرِبوهُ ببَعضِها كذلكَ يُحيي الله الموتى}، وتقديره: فضُرِبَ فيُحيي، كذلك يُحيي الله الموتى. ومثله: {وإذ استَسقى موسى لِقومه فقلنا اضرِب بِعَصاكَ الحَجَرَ فانفَجَرَت مِنهُ اثنتا عَشَرَةَ عيناً} وتقديره: فضرب فانفَجَرَت. ومثله: {فمن كان مريضاً أو بِهِ أذىً مِنْ رأسِهِ فَفِديَةٌ مِنْ صيامٍ أو صَدَقةٍ أو نُسُكٍ} وتقديره: فَحَلَقَ، ففديَة. ومن ذلك إضمار (القول) كما قال سبحانه: {وأما الذين اسوَدَّت وُجوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ} في ضمنه (قيقال لهم: أكفرتم)، لأن (أمَّا) لا بدَّ لها في الخبر من فاء، فلمّا أضمر القول أضمر الفاء، ومثله: {وتَتَلَقَّاهُمُ الملائِكَةُ هذا يَوْمُكُمْ}. أي يقولون: هذا يومكم. وقال الشنفرى: فلا تدفنوني إنَّ دَفني مُحَرَّمٌ *** عليكُمْ ولكنْ خامري أمَّ عامِرِ.
- منها: الباء الزائدة كما تقول: أخَذتُ بزمام النَّاقة. وقال الشاعِر الراعي: سودُ المَحاجِرِ لا يَقرَأْنَ بالسُّوَرِ *** أي لا يقرأن السوَر. كما قال عنترة: شَرِبَتْ بِماء الدُّحْرُضَينِ فأَصْبَحَتْ *** أي ماء الدحرضين، وفي القرآن حكاية عن هارون: {لا تأخُذْ بِلِحْيَتي ولا بِرأسي}. وقال عزَّ ذكره: {ألَمْ يَعْلَم بأنَّ اللهَ يَرى} فالباء زائدة، والتقدير: ألم يعلم أن الله يرى، كما قال جلَّ ثناؤه: {ويَعْلَمونَ أنَّ الله هو الحَقُّ المُبينُ}. ومنها التاء الزائدة في: ثم ورُبِّ، ولا تقول العرب: رُبَّتَ امرَأةٍ، وقال الشاعر: وَرُبَّتما شَفَيتُ غَليلَ صَدري *** وتقول: ثُمَّتَ كانت كذا، كما قال عَبْدَةُ بن الطَّيب: ثُمَّتَ قُمنا إلى جُردٍ مُسَوَّمَةٍ *** أَعرافُهُنَّ لأيدينا مَناديلُ. أي ثُمَّ قمنا. وتقول: لآت حين كذا، وفي القرآن: {ولات حينَ مَناص} أي لا حين والتاء زائدة وصلة: ومنها: زيادة (لا) كقوله عزَّ وجلّ: {لا أُقْسِمُ بِيومِ القيامَةِ}: أي أقسم. وكقول الحجاج: في بئرِ لاحُورٍ سَرَى وما شِعِرْ *** أي بئر حور. قال أبو عبيدة: لا. من حروف الزوائد كتتمة الكلام، والمعنى إنقاؤها، كما قال عزَّ ذكره: {غيرِ المَغْضوبِ عَلَيهِمْ ولا الضَّالِّين}: أي والضالين وكما قال زهير: مُوَرِّثُ المَجدِ لا يَغتالُ هِمَّتَهُ *** عنِ الرياسَةِ لا عجَزٌ ولا سَأَمُ. أي عجز وسأم وقال الآخر: ما كان يَرضى رَسولُ الله دينَهُمُ *** والطَّيِّبان أبو بكرٍ ولا عُمَرُ. وقال أبو النَّجم: فما ألومُ اليَومَ أنْ لا تَسْخَرا *** أي أن تسخرا. وفي القرآن: {ما مَنَعَكَ أنْ لا تَسْجُدَ} أي ما منعك أن تسجد. ومنها زيادة (ما) كقوله عزَّ وجلَّ: {فَبِما رَحمةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ} أي فبرحمة من الله، وكقوله: {فبما نَقْضِهِمْ ميثاقَهُمْ} أي فبِنَقْضِهِم ميثاقهم، وكقوله عزَّ وجلّ: {وقَليلٌ ما هُمْ} أي قليلٌ هم. وكقول الشاعر: لأمرٍ مَّا تصرَّفَتِ اللَّيالي *** لأمْرٍ مَّا تَصَرَّفَتِ النُّجُومُ. أي لأمر تصرفت. وقد زادت (ما) في رُبَّ كقول بعض السَّلف: رُبَّما أَعْلَمُ فأَذَرُ. وفي القرآن: {رُبَمَا يَوَدُّ الذينَ كَفَروا لو كانوا مُسْلِمينَ} ومنها زيادة (مِنْ) كما في قوله تعالى: {وما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إلا يَعْلَمُها} والمعنى: وما تسقط ورقةٌ، وكما قال عزَّ ذكره: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ في السَّمواتِ} أي وكم ملك، وكما قال جلَّ اسمه: {وكم من قريةٍ أَهْلَكْناها}. وكما قال عزَّ وجل: {قُلْ للمؤمنينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ}. ومنها زيادة اللام، كما قال عزَّ وجل: {الَّذينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبونَ} أي رَبِّهِم يرهَبون. وكما قال تقدَّسَت أسماؤه: {إنْ كُنْتُمْ لِلرؤيا تَعْبُرون} أي إن كنتم الرؤيا تعبرون. ومنها: زيادة (كان) كما قال تقدَّست أسماؤه: {وما علمي بما كانوا يَعْمَلون}: أي بما يعملون. وكما قال الشاعر: وجِيرانٍ لنا كانوا كِرام *** ومنها زيادة (الاسم) كقوله: {باسمِ اللهِ مَجْراها}، والمراد: بالله، ولكنه امّا أشبه القسم زيد فيه الإسم. ومنها زيادة (الوجه)، كقوله عزَّ وجلّ: {ويبقى وَجْهُ رَبِّكَ} أي ويبقى رَبُّك. ومنها زيادة (مثل)، كقوله تعالى: {وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَني إِسْرائيلَ على مِثْلِهِ}: أي عليه، وقال الشاعر: يا عاذِلي دَعني مِن عَذلِكا *** مِثلِي لا يَقْبَلُ مِنْ مِثْلِكا. أي أنا لا أقبل منك، وقال آخر: دَعني مِنَ العُذْرِ في الصَّبوحِ فَما *** تُقْبَلُ مِنْ مِثْلِكَ المَعاذيرُ.
- منها ألف الوصل، وألف القطع، وألف الأمر، وألف الاستفهام، وألف التَّعجب، وألف التثنية، وألف الجمع، وألف التعدية، وألف لام المعرفة، وألف المخبر عن نفسه، في قوله: أدخُل واخرُج، وألف الحينونة، كما يقال: أَحْصَدَ الزَّرع: أي حان أن يُحصَدَ، وأَرْكَبَ المُهْرُ: أي حانَ أنْ يُركَبَ. وألف الوجدان، كقوله: أجبَنْتُهُ: أي وجدته جبانا، وأكذَبتُهُ: أي وجدته كذابا. وفي القرآن: {فإنهم لا يُكَذِّبونَكَ}: أي لا يجدونك كذاباً. ومنها ألف الإتيان، كقوله: أحسَنَ: أي أتى بفعل حسن، وأَقْبَحَ: أي أتى بفعل قبيح. ومنها ألف التحويل، كقوله: {لَنَسْفَعاً بالنَّاصية} فإنها نون التوكيد حوّلت ألفا. ومنها ألف القافية، كقول الشاعر: يا رَبعُ لو كنتُ دَمعا فيكَ مُنْسَكِباً *** قَضَيتُ نَحْبي ولم أقضِ الذي وجَبا. ومنها ألف النُّدبة، كقول أمَّ تأبَّطَ شرّأً: وابنَ اللَّيل. ومنها ألف التوجُّع والتأسُّف، وهي تقارب ألف النَّدبة نحو: وا قَلباه! وا كَرباه! وا حُزناه!.
- منها باء زائدة، وقد تقدّم ذِكرها، ويقال لبعضها: باء التبعيض، كما قال عزَّ وجل: {وامسَحوا بِرُءوسِكُم} أي بعضها. ومنها القَسَم، كقولهم: باللهِ، وبالبيتِ الحرامِ، وبحياتك. ومنها باء الإلصاق، كقولك: مَسَحتُ يَدَيَّ بالأرضِ. ومنها باء الاعتمال، كقولك: كَتَبْتُ بِالقَلَم، وضَرَبتُ بالسَّيف، وزَعَمَ قوم أنَّ. ومنها باء المُصاحَبة، كما تقول: دخل فلان بثياب سفره، وركب فلان بسلاحه، وفي القرآن: {وقد دَخَلوا بِالكُفرِ وهُمْ قَدْ خضرضجوا بِهِ واللهُ أعْلَمُ بِما كانوا يَكتُمون}. ومنها باء السبب، كقوله تعالى: {وكانوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرين} أي من أجل شُركائهم. وكما قال: {والذين هم بربِّهم لا يُشْرِكون} أي من أجله. ومنها الباء الدّاخلة على نفس المخبر والظاهر أنها لغيره، نحو: رأيتُ بِفلانٍ رجلا جَلْداً، ولَقيتُ بِزيد كَريماً، توهمُ أنك لقيتَ بزيدٍ كريماً آخر غير زيد، وليس كذلك وإنما أردت نفسه، كما قال الشاعر: إذا ما تأمَّلتُهُ مُقْبِلا *** رأيتَ بِهِ جَمْرَةً مُشعَلة. وفي القرآن: {فاسْأل بِهِ خَبيرا}. ومنها الباء الواقعة موقع (مِن وعَنْ) كما قال عزَّ وجلَّ: {سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِع} أي عن عذاب واقع، وكما قال: {عينا يَشْرَبُ بها عباد الله} أي منها. ومنها الباء التي في موضع (في)، كما قال الأعشى: ما بُكاءُ الكَبيرِ بالأطلالِ *** أي في الأطلال، وقال الآخر: ولَيلٍ كأنَّ نجومَ السَّماء *** بِهِ مُقَلٌ رُنَّقَتْ للهُجُوعِ. ومنها الباء التي في موضع (على) كما قال الشاعر: أَرَبٌ يَبولُ الثُّعلُبَانُ بِرأسهِ *** لقَدْ ذَلَّ مَنْ بالتْ عليهِ الثَّعالبُ. أي على رأسه. ومنها باء البدل، كما تقول: هذا بذاك، أي عوض وبدل منه، كما قال الشاعر: إنْ تَجْفُني فَلَطالَما وصَلتَني *** هذا بذاك فَما عليك مَلَامُ. ومنها باء التعدية، كقولك: ذهبت ورجعت به. ومنها الباء بمعنى حيثُ، كقولهم: أنتَ بالمُجَرَّب، أي حيث التَّجريب. وفي كتاب الله عزَّ وجلَّ: {فلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ العَذابِ} أي حيث يفوزون.
- منها ما يُزاد في الإسم، كما زيد في: تَنْضُبُ وتَتْفُلُ. ومنها ما يزاد في الفعل، نحو: تَفَعَل، وتَفاعَل وافْتَعَلَ، واسْتَفْعَلَ. ومنها تاء القَسَم، تقول: تالله لأفعلنَّ كذا، أي بالله. وفي القرآن: {وتاللهِ لأكيدنَّ أصْنامَكُمْ} ولا تستعمل هذه التاء إلا مع اسم الله عزَّ وجلّلأ. ومنها التاء التي تزاد في رُبَّ وثُمَّ ولا، وتقدم ذكرها. ومنها تاء التأنيث، نحو تَفْعَلُ وفَعَلْت، وتاء النَّفس، نحو فَعَلتُ، وتاء المخاطبة نحو فَعَلْتِ. ومنها تاء تكون بدلا عن سين في بعض اللغات، كما أنشد ابن السكيت: يا قاتلَ الله بني السَّعلاتِ *** عمرو بن مسعود شِرار النَّاتِ. يعني شرار الناس.
- السين تزاد في استفعل، ويقال للتي في اسْتَهْدى واسْتَوهَبَ واسْتَعْظَمَ واسْتَسْقى، سين السؤال، وتُخْتَصرُ من سوف أفعل فيقال: سأفعل، ويقال لها: سين سوف. ومنها سين الصيرورة كما يقال: اسْتَنْوَقَ الجَمَلُ، واسْتَنْسَرَ البِغاثُ، يُضربان مثلا للقويِّ يَضْعُف وللضَّعيف يقوى. وتقارب هذه السين سين استقدم واستأخر: أي صار متقدما ومتأخرا.
- منها فاء التعقيب كقولهم: مررت بزيدٍ فعمرو، أي مررت بزيد وعلى عقبه بعمرو، وكما قال امرؤ القيس: بِسِقطِ اللوى بينَ الدَّخول فَحَومَلِ *** ومنها الفاء تكون جوابا للشرط كما يقال: إن تأتني فحسنٌ جميل، وإن لم تأتني فالعذرُ مَقبول، ومنه قوله تعالى: {والذين كفروا فَتَعْساً لَهُمْ}، وقال صاحب كتاب الإيضاح: الفاء التي تجيء بعد النفي والأمر والنهي والاستفهام والعرض والتمني ينتصب بها الفعل، فمثال النَّفي: ما تأتيني فأُعْطيك، ومنه قوله تعالى: {وما مِنْ حِسابِكَ عَليهِمْ مِن شيء فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكونَ مِنَ الظَّالِمين}. ومثال آخر، كقولك: ائتني فأعرِفَ بك، ومثال النَّهي كقولك: لا تَنْقَطِعْ عنَّا فَنَجْفوَك. وفي القرآن: {ولا تَطْغَوا فيه فَيَحِلَّ عليكُمْ غَضَبي}، ومثال الاستفهام كقولك: أما تأتينا فتُحَدِّثَنا، ومثال العرض: ألا تنزِلُ عندنا فَتُصيبُ خَيراً، ومثال التمنِّي: ليتَلي مالا فَأُعطيكَ.
-تقع الكاف في مخاطبة المذكّر مفتوحة، وفي مخاطبة المؤنَّث مكسورة، نحو قولك: لكَ ولَكِ. وتدخل في أول الإسم للتشبيه فتخفضه، نحو قولك: زيد كالأسد وهند كالقمر. قال الأخفش: قد تكون الكاف دالَّة على القرب والبعد، كما تقول: للشيء القريب منك: ذا وللشيء البعيد منك: ذاك. وقد تكون الكاف زائدة كقوله عزَّ وجلّ: {ليسَ كَمِثْلِهِ شيءٌ}. وتكون للتّعجب كما يقال: ما رأيت كاليوم ولا جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ.
- اللام تقع زائدة في قولك: وإنَّما هو ذلك. ومنها لام التأكيد، وإنّما يقال لهذه اللام لام الإبتداء نحو قوله عزّ وجلّ: {لأنْتُمْ أشَدُّ رَهْبَةً في صُدورِهِمْ مِنَ اللهِ}. ومنها في خبر إنَّ نحو قولك: إنَّ زيداً لقائم، وفي خبر الإبتداء، كما قال القائل: أُمُّ الحُلَيسِ لَعَجوزٌ شَهْرَبَهْ *** ومنها لام الاستغاثة (بالفتح) كقولك: يا للناس، فإذا أردت التعجب (فبالكسر). ومنها لام المُلك كقولك: هذه الدّار لزيد. ولام المُلك كقوله تعالى: {إنما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ} أي من أجله. عن الكسائي. وكقوله عزّ وجلّ: {أَقِمِ الصلاةَ لِدُلوكِ الشمسِ إلى غَسَقِ اللَّيلِ} أي عند دلوكها. ومنها لام (بَعْدَ)، كقوله صلى الله عليه وسلم: «صوموا لِرُؤيتِهِ وأفْطِروا لِرؤيته». ومنها لام التخصيص كقولك: الحمد لله، فهذه لام مختصَّة في الحقيقة بالله ومثلها قوله تعالى: {والأمر يومئذٍ لله}. ومنها لام الوقت كقولهم: لِثَلاثٍ خَلَونَ من شهرِ كذا، أو لِأربع بَقينَ من كذا قال النَّابغة: تَوَهَّمتُ آياتٍ لها فعرفتها *** لِسِتَّةِ أعوام وذا العام سابعُ. ومنها لام التعجب كقوله: لله درُّهُ، ويقال: يا للعجب، معناه: يا قوم تعالوا إلى العجب، وقد تجتمع التي للنداء والتي للتعجب، كما قال الشاعر: ألا يا لَقَوْمِي لطَيْفِ الخيالِ *** ومنها لام الأمر، كما تقول: ليفعل كذا وليطلق كذا، وفي القرآن العزيز: {ثمَّ لِيَقضوا تَفَثَهُمْ وَلِيوفوا نُذورَهُمْ}. ومنها لام الجزاء كقوله عزَّ وجلّ: {إنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتحاً مُبينا لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّم من ذَنبِكَ وما تأخَّرَ}. ومنها لام العاقبة، كما قال الله عزَّ وجلّ: {فالتَقَطَهُ آلُ فِرعونَ لِيَكونَ لَهُمْ عدوَّاً وحَزَنا} وهم لم يلتقطوه لذلك، ولكن صارت العاقبة إليه. وقال سابق البربري: ولِلموتِ تَغْزو الوالداتُ سِخالَها *** كما لِخَراب الدَّهرِ تُبنى المساكِنُ.
- الميم تزاد في مِفعل ومَفعل ومُفاعلة وغيرها. وتزاد في أواخر الأسماء للمبالغة، كما زيدت في زُرقم وسُتهُم وشدقم. وقرأت في رساله الصاحب بن عباد، ولكن للتَّبَظْرم خفة. وفي (تبظرَم) زَعم غلام ثعلب أن البظر: الخاتم، وأن قولهم: (تبظرم) مشتق من ذلك وأحسبه حسب الميم تزاد في التصاريف، كما زيدت في زُرْقم وسُتْهُم.
- النون تزاد أولى وثانية وثالثة ورابعة وخامسة وسادسة. فالأولى: في نَعْثَل. والثانية: في قولهم: ناقة عَنْسَل. والثالثة: في قَلَنْسُوة. والرابعة: في رَعْشَن. والخامسة: في صَلَتان. والسادسة: في زَعْفران. وتكون في أول الفعل للجمع نحو: نُخرج، وفي آخر الفعل للجمع المذكر والمؤنث، نحو يخرجون ويخرجن، وعلامة للرفع في نحو، يخرجان، وفي قولك الرجلان. وتقع في الجمع نحو مسلمون، وتكون في فعل المطاوعة، نحو كسرته فانكسر، وقلبته فانقلب. وتكون للتأكيد مخففة ومثقَّلة في قولك: اضربنْ واضربنَّ. وتكون للمؤنث نحو تفعلينَ.
- الهاء تزاد في زائدة ومدركة وخارجة وطابخة. وهاء الاستراحة، كما قال الله تعالى: {ما أغنى عنِّي ماليَهْ. هَلَكَ عنِّي سُلطانيهْ}. وهاء الوقف، على الأمر من وشى يَشي، ووقى يَقي، ووعى يَعي، نحو شِه وعِه وقِهْ. وهاء الوقف، على الأمر من اهتدى واقتدى كما قال الله عزَّ وجلّ: {فَبِهُداهُمُ اقتَدِهْ}. وهاء التأنيث، نحو قاعدة وصائمة. وهاء الجمع، نحو ذُكورة وحِجارة وفُهودة وصُقورة وعُمومة وخُثوله وصِبيه وغِلمة وبررة وفجَرَة وكَتَبه وفَسَقَه وكفَرة وولاة ورعاة وقضاة وجبابرة وأكاسرة وقياصرة وجحاجِحَة وتَبابِعَة. ومنها هاء المبالغة، وهي الهاء الداخلة على صفات المذكَّر نحو قولك: رجل علَّامة، ونسَّبة وداهية وباقِعَة. ولا يجوز أن تدخل هذه الهاء في صفة من صفات الله عزَّ وجلَّ بحال وإن كان المراد بها المبالغة في الصفة. ومنها الهاء الداخلة على صفات الفاعل لكثرة ذلك الفعل منه، ويقال لها هاء الكثرة، نحو قولهم نُكْحَةَ وطُلْقَةَ وضُحْكَةَ ولُمْنَةَ وسُخْرَةَ وفي كتاب الله: {ويلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} أي لكل عَيَّبَة مُغتابَة. ومنها الهاء في صفة المفعول به، لكثرة ذلك الفعل عليه، كقولهم: رجل ضُحكة ولُعنة وسُخرَة وهُتكَة. ومنها هاء الحال في قولهم: فلان حسن الرَّكْبة والمشية والعِمَّة. وهاء المرة كقولك: دخلت دخلة وخرجت خرجة. وفي كتاب الله عزّ وجلّ: {وفَعَلتَ فَعْلَتَكَ التي فَعَلتَ}.
- لا تكون الواو زائدة في الأول وقد تزاد في الثانية نحو كوثر وثالثة نحو جَرْوَل ورابعة نحو قَرْنُوة وخامسة نحو قَمَحْدُوة. ومن الواوات واو النسق وهو العطف كقولك: رأيت زيدا وعمرا. وواو العلامة للرفع، كقولك: أخوك والمسلمون. والواو التي في قولك: لا تأكل السمك وتشرب اللبن، وقول الشاعر: لا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وتأتيَ مِثْلَهُ *** وفي القرآن العزيز: {ولا تلبسوا الحقَّ بالباطل وتَكتُموا الحقَّ وأنتُمْ تَعْلَمون} ومنها واو القَسَم في قوله تعالى: {والنَّجم إذا هوى}، {والسَّماءِ ذاتِ البُروجِ}، {والشَّمْسِ وضُحاها}. ومنها واو الحال كقولك: جاءني فلان وهو يبكي، أي في حال بكائه، وفي القرآن: {تَوَلَّوا وأعْيُنُهُمْ تَفيضُ مِنَ الدَّمع حَزَناً أنْ لا يَجِدوا ما يُنْفِقونَ}. ومنها واو رُبَّ كقول رؤبةَ: وقاتِمُ الأعماقِ خاوي المُخْتَرَقْ *** أي وربَّ قائم الأعماق. ومنها الواو بعنى مع، كقولك: استوى الماء والخشبة. أي مع الخشبة،ولو تُرِكَتْ وفصيلها لرضعها، أي مع فصيلها. ومنها واو الصلة، كقوله تعالى: {إلا ولها كِتَابٌ مَعْلُومٌ}. ومنها الواو بمعنى إذ، كقوله عزَّ وجلّ: {وطائِفَةٌ قد أَهَمَّتْهُمْ أنْفُسَهُمْ} يريد إذ طائفة، كما تقول: جئتُ وزيد راكب، تريد: إذ زيد راكب. ومنها واو الثمانية، كقولك: واحد إثنان ثلاثة أربعة خمسة ستة سبعة وثمانية. وفي القرآن: {سيقولون ثلاثة رابعُهُم كَلبُهُم ويقولون خَمسةٌ سادِسُهُم كَلبُهُم رَجماً بالغيبِ ويقولون سَبعةٌ وثامِنُهُمْ كَلبُهمْ} وكما قال تعالى في ذكر جهنَّم: {حتَّى إذا جاءوها فُتِحَتْ أبْوابُها} بلا واو، لأنَّ أبوابها سبعة. ولما ذكر الجنَّة قال: {حتى إذا جاءوها وفُتِحَتْ أبوابُها وقال لهم خَزَنَتُها} فألحق بها الواو، لأنَّ أبوابها ثمانية وواو الثمانية مستعملة في كلام العرب.
|